التمويل وسلاح الأحزاب.. اختبار جديد لـ«المفوضية» في الانتخابات المقبلة

العالم الجديد –
بغداد
مع اقتراب الانتخابات البرلمانية المقبلة، يتجدد الجدل في العراق حول مدى تطبيق قانون الأحزاب، خصوصا بما يتعلق في ملفات التمويل، ومشاركة الفصائل المسلحة بواجهات سياسية، وإذ أكدت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات التزامها بالضوابط القانونية، رأى مراقبون أن مشاركة الأحزاب المرتبطة بالسلاح أمر واقع يصعب تجاوزه ضمن توازنات القوى.

وصوت مجلس الوزراء، الشهر الحالي، على تحديد 11 تشرين الثاني نوفمبر المقبل موعدا لإجراء الانتخابات البرلمانية، وذلك بعد تحديث سجلات الناخبين، حيث يحق لنحو 30 مليون عراقي الإدلاء بأصواتهم.

وفي هذا الصدد، يؤكد مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، غازي فيصل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الواقع السياسي في العراق يشهد خللا هيكليا واضحا، يتمثل في غياب تطبيق قانون الأحزاب السياسية، وهو ما يخلق فراغا قانونيا بشأن المعايير التي تحدد أحقية أي حزب بالمشاركة في الانتخابات”.

ويوضح فيصل، أن “غياب هذا القانون يثير تساؤلات حول آلية القبول أو الرفض لترشيح الأحزاب، ويمنح فرصا لأطراف غير مؤهلة دستوريا لخوض الانتخابات”، مشيرا إلى أن “المادة التاسعة من الدستور العراقي تحظر تشكيل ميليشيات وتنظيمات مسلحة خارج إطار القوات المسلحة الرسمية، إذ يجب أن تنحصر المشاركة السياسية على الأحزاب المدنية، أما التنظيمات التي تمتلك أجنحة مسلحة، فلا يحق لها خوض الانتخابات”.

ويتابع، “بعض الفصائل المسلحة قامت بتأسيس واجهات مدنية تحمل أسماء مختلفة، لكن في حقيقتها تمثل تلك التنظيمات، وقد فازت بعدد من مقاعد مجلس النواب”، معتبرا أن “ذلك يمثل تحايلا وانتهاكا للدستور”.

وتحظر القوانين العراقية على أي حزب سياسي خوض الانتخابات إذا كان يمتلك تشكيلا عسكريا أو مسلحا، بموجب المادة (9) من الدستور التي تؤكد ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، والمادة (7) التي تمنع الكيانات التي تتبنى العنف أو الطائفية.

وعلى الرغم من وجود قانون للأحزاب والتنظيمات السياسية، إلا أن ضعف تطبيق بعض بنوده، لاسيما المتعلقة بتمويل الأحزاب وعلاقتها بالفصائل المسلحة، يتيح المجال أمام بعض الكيانات للالتفاف على الضوابط الدستورية.

من جانبه، يشير رئيس الفريق الإعلامي في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، عماد جميل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “المفوضية تعتمد في إجراءاتها على ضوابط قانونية واضحة، إذ تمنع تسجيل أي حزب سياسي يتبع لفصيل مسلح أو جهة أمنية”.

ويوضح جميل، أن “المفوضية تتعامل فقط مع الأفراد غير المنتمين إلى فصائل مسلحة، والمنتسبين إلى وزارتي الداخلية والدفاع ضمن حدود القانون”، مبينا أن “دور المفوضية لا يشمل التحقق الأمني أو تشخيص الانتماءات المسلحة، بل يقتصر على تسجيل الكيانات السياسية التي تستوفي الشروط القانونية المحددة، وفي حال ثبت لاحقا وجود ارتباط بين حزب مسجل وفصيل مسلح، يتم اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة بحقه”.

وكان مجلس النواب قد أقر في عام 2015 قانون تنظيم الأحزاب، وتضمّن بنودا عدة من بينها التمويل وبرامج الحزب وأنشطته ومشاركته في العملية السياسية، لكنه انضم إلى باقي القوانين العراقية المعطلة، خصوصا في ما يتعلق بمنع مشاركة الأحزاب التي تمتلك أجنحة مسلحة بالعملية السياسية.

وبالرغم من تطمينات المفوضية بشأن التزام الكيانات السياسية بالضوابط القانونية، إلا أن بعض النواب المستقلين يرون أن مشاركة الأحزاب المرتبطة بفصائل مسلحة في الانتخابات المقبلة تمثل أمرا واقعا يصعب تجاوزه ضمن توازنات القوى داخل البرلمان.

وفي هذا السياق، يؤكد النائب المستقل هادي السلامي، في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “مشاركة الأحزاب السياسية المرتبطة بفصائل مسلحة في الانتخابات المقبلة وما يتعلق بهذه الإجراءات موكول إلى مراقبة مفوضية الانتخابات وقدرتها على ضبط التنافس السياسي وإبقائه ضمن حدوده القانونية”.

ويضيف السلامي، أن “بعض الأحزاب التي تمتلك أذرعا مسلحة ستشارك بالفعل في الانتخابات، وهو واقع لا يمكن إنكاره”، لافتا إلى أن “النواب المستقلين يمثلون أقلية داخل مجلس النواب، إذ لا يتجاوز عددهم الثلاثين نائبا، وبالتالي يصعب التنسيق مع المفوضية بهذا الشأن”.

ولا تقتصر التحديات التي تواجه المشهد الانتخابي في العراق على مسألة مشاركة الأحزاب المرتبطة بفصائل مسلحة، بل تمتد أيضا إلى ملف التمويل السياسي، الذي يمثل أحد أبرز مصادر القلق بشأن نزاهة الحملات الانتخابية، فرغم النصوص القانونية التي تحدد بوضوح مصادر تمويل الأحزاب، إلا أن هناك شبهات متكررة بشأن استغلال بعض القوى لموارد الدولة أو تلقي دعم مالي غير معلن، ما يهدد تكافؤ الفرص بين المرشحين والكيانات السياسية.

إلى ذلك، يلفت الكاتب والمحلل السياسي حمزة مصطفى، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “القوانين المنظمة لقضية التمويل السياسي والدعاية الانتخابية موجودة بالفعل في العراق، غير أن الإشكالية تكمن في ضعف تطبيقها على أرض الواقع”.

وأوضح مصطفى، أن “التجارب الانتخابية السابقة أظهرت أن المال السياسي ظل يتحكم بالمشهد بدرجات متفاوتة، حيث يتم استغلال الإمكانات المالية لبعض الأطراف في التأثير على الناخبين، في غياب فعلي للرقابة الصارمة”.

وينوه إلى أن “الخلل لا يكمن فقط في الإنفاق المفرط خلال الحملات الانتخابية، بل أيضا في عدم مساءلة القوى السياسية عن مصادر تمويلها”، مشيرا إلى أن “بعض الأطراف تعتمد على استعراض القوة المالية لأغراض دعائية”.

ويشدد مصطفى على أن “ظاهرة سوء استخدام المال السياسي، إلى جانب غياب آليات الرقابة الفاعلة، تفتح المجال أمام محاولات التحايل على القانون بطرق متعددة، مما يضعف من عدالة المنافسة الانتخابية”.

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *