«التحفيز الطائفي» يشتد.. كيف خطط سياسيون للكسب الانتخابي المبكر؟

العالم الجديد –
بغداد
قبل أشهر على الانتخابات النيابية، تصاعدت نبرة الاستقطاب الطائفي بين الأحزاب والشخصيات السياسية، في محاولة لكسب الجمهور الانتخابي، كما رأى مراقبون، ومع إعلان المفوضية نسب تحديث البيانات وتصدر المحافظات “السنية” لعمليات التحديث، ظهرت أحاديث عن إمكانية انتقال رئاسة الحكومة من المكون الشيعي إلى السني، الأمر الذي استبعده معظم المراقبين –وبينهم سياسيون سنة-، مؤكدين أن ذلك ممكن من منظور ديمقراطي في حال تراجع دعم الناخب الشيعي، لكنه بعيد عن الواقع، وترويجه في هذه الفترة يأتي بهدف الكسب الانتخابي المبكر.

وبموجب عرف سياسي متبع بعد تغيير النظام السابق عام 2003، فإن منصب رئاسة البرلمان هو ما يسند إلى المكوّن السني عادة، بينما يتولى الكرد منصب رئيس الجمهورية، والشيعة رئاسة الوزراء.

وفي هذا السياق، يؤكد الكاتب والباحث السياسي عمر الناصر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “العملية السياسية عودتنا منذ التغيير في عام 2003 على رفع حرارة الخطاب الطائفي قبيل كل انتخابات تشريعية، وهي إحدى الوسائل للحفاظ على الجمهور المحتكر الذي تراهن عليه الأحزاب والقوى السياسية بكافة توجهاتها”.

ويضيف الناصر، أن “هذا الأمر متعارف عليه حتى في الدول التي تنعم بدرجة عالية من الديمقراطية، إذ تجد فيها الأحزاب العنصرية المعادية لفئات معينة كالمهاجرين في أمريكا مثلا تصعد من وتيرة النبرة الاستعلائية والقومية والعرقية، لأجل كسب أصوات تؤهلها لحصد أكبر عدد من المقاعد”.

ويتابع أن “أهم ما أنتجت الديمقراطية في العراق، وبالرغم من الإخفاقات والسلبيات والفشل والفساد الذي أنتجته المحاصصة، هو التداول السلمي للسلطة ومغادرة وهم الانقلابات السياسية والعسكرية وذوبانها كلياً داخل مجلس النواب، لكن لابد من حصول سلبيات وتقصير كثير لم تكترث اليها الكتل السياسية بوجود عنصر فقدان الثقة بين الأحزاب والمكونات”.

وفي ظل تحديث منخفض لسجلات الناخبين بمحافظات الوسط والجنوب، ترتفع نسبتهم لدى المحافظات الغربية، الأمر الذي عدّه مراقبون رغبة “سنية” وعزوفا “شيعيا” عن المشاركة في الانتخابات المقبلة، بسبب الإحباط في الجغرافيا الجنوبية، لسوء الخدمات وغياب التغيير الفعلي، مقابل مساعي القوى السنية لاستثماره في تعزيز تمثيلها البرلماني.

ودفع هذا الأمر بعضا من السياسيين السنة، للحديث عن فكرة انتقال الحكم إلى مكونهم سواء بالأصوات أو بالتحالف مع مكونات أخرى، وهو ما أثار تصعيدا سياسيا على المنصات الإعلامية.

وفي تقرير سابق لـ”العالم الجديد، قلل مراقبون، من التفاوت في نسب تحديث البيانات في المفوضية، وأكدوا أن الأصوات الانتخابية محسومة سلفا، عازين إطلاق هذه الأفكار إلى محاولات تحفيز الناخبين طائفيا على المشاركة.

وعن ذلك، يشير الخبير في الشأن القانوني حسن العامري، خلال حديث لـ “العالم الجديد”، إلى أن “الفكرة التي يروج لها هذه الأيام في انتقال منصب رئاسة الوزراء إلى المكون السني، قانونيا ومن منظور ديمقراطي، فرضية ممكنة في حال تراجع دعم الناخب الشيعي، نتيجة الخيبات المتكررة التي تعرض لها من قبل الطبقة السياسية الشيعية”.

ويردف العامري، أن “هذا التراجع طبيعي وقد يكون انعكاسا لتجاوز حقوق الأغلبية الشيعية، وتغليب مصالح الأقليات، كما هو الحال مع المكون الكردي، الذي يحصل على حقوقه رغما عن جميع المكونات الأخرى، كما نشهد حماسة أكبر لدى المكون السني، للمشاركة في الانتخابات، مدفوعة بقيادات سنية قدمت لهم الكثير، في حين يظل المواطن الشيعي هو الطرف الوحيد الذي يتحمل التهميش، ويتبرع بخيرات محافظاته دون مقابل يُذكر”.

أما عند النظر إلى القضية من زاوية أخرى، يواصل الخبير القانوني، “نجد أنها تُستغل لإثارة النعرات الطائفية، ففكرة “فذهاب منصب رئيس مجلس الوزراء من الشيعة قد تُستخدم لأغراض سياسية بحتة، منها التأثير على الرأي العام أو توجيه نتائج الانتخابات”، لافتا إلى أن أنه “يمكن توظيف هذه الفكرة لإشعال التوترات بين المكونات، وخاصة بين السنة والشيعة، في محاولة لتغليب البعد الطائفي على المصلحة الوطنية”.

ويضيف أن “هذه الفكرة معقدة، وتحمل في طياتها أبعادا سياسية، ودينية، ومنطقية، وأخرى تهدف فقط إلى إثارة الانقسام. ومن المهم التعامل معها بعين العقل والموضوعية، وتجنب الزج بها في الصراعات السياسية أو استخدامها كأداة لزيادة التوتر الطائفي بين أبناء الشعب الواحد”.

وفي الجانب الآخر، أطلقت تحذيرات من رجال دين شيعة وشخصيات سياسية حول استعادة الحكم للسنة، في ظل حملة المقاطعة الشيعية للانتخابات البرلمانية المقرر أن تجرى في الحادي عشر من تشرين الأول نوفمبر من العام الحالي.

ويوم أمس، وجه الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، نداءً للمحافظات التي سجّلت نسب مُتدنية بتحديث سجل الناخبين. قائلا في تدوينة له على منصة (إكس): “مع إعلانِ نتائج تحديث سجل الناخبين، نُجدّد نداءنا المُخْلص إلى أبناء المحافظات والمدن التي سجّلت نسب تحديثٍ مُتدنية، ليدركوا أهمية المبادرة ويستدركوا الغياب، فالتحديثُ ليس إجراءً فنياً عابراً، بل هو المفتاحُ الأول للمشاركة الحقيقية، والخطوةُ الأولى نحو الشراكة في صناعة القرار، الصوت الذي لا يُسجَّل، لا يُحتَسب، ومن يُهمل بياناته، يضيّع حقَه ويُفسح المجال لمن لا يمثّله أن يملأ الفراغ”.

أما الباحث في الشأن السياسي عائد الهلالي، فيؤكد، خلال حديث لـ “العالم الجديد”، أنه “مع قرب الانتخابات تعود إلى السطح بعض الأصوات النشاز التي تروج لفكرة الحكم السني وضرورة أخذه من الشيعية، وكأن العراق مزرعة طوائف تتنازع على السلطة، لا وطنٌ لجميع مواطنيه، فهذه الدعوات لا تنطلق من منطق وطني أو رؤية إصلاحية حقيقية، بل من رغبة خفية في إعادة إنتاج الصراع الطائفي الذي أدمى العراق لسنوات طويلة”.

ويضيف الهلالي، أنه “من الناحية المنطقية، لا يمكن حصر الحكم في طائفة دون أخرى في بلد متنوع مثل العراق، فالدستور والقانون والمؤسسات، هي التي يفترض أن تحدد شكل الحكم، لا الانتماء الطائفي أو المذهبي. وبالتالي، فإن طرح فكرة “نقل الحكم” بين الطوائف ليس سوى تبسيط ساذج لمفهوم السلطة، وترويج لأوهام لا تصمد أمام الواقع السياسي والاجتماعي المعقد”.

وتابع أنه “غالبا ما تأتي مثل هذه الطروحات في سياقات مشحونة، وتزامناً مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، مما يطرح تساؤلات جدية عن أهدافها الحقيقية. ويبدو جلياً أنها تستهدف إثارة الفتنة الطائفية وتحريك العواطف والانقسامات، بدلاً من تقديم حلول واقعية لمشكلات الدولة والمجتمع”.

وكشفت وثيقة صادرة عن مفوضية الانتخابات، بشأن نسبة تحديث بيانات الناخبين في كل محافظة، عن تصدر بغداد بقرابة 360 ألفا، تليها نينوى بـ237 ألفا، وأربيل 116 ألفا والأنبار 88 ألفا وصلاح الدين 90 ألفا، فيما تراوحت أرقام محافظات الوسط والجنوب بين 20– 30 ألفا، باستثناء البصرة التي سجلت 90 ألفا.

وأعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، الأربعاء الماضي، أن أكثر من مليون و600 ألف ناخب حدثوا بياناتهم استعدادا للانتخابات المقبلة في شهر تشرين الثاني نوفمبر المقبل. وشهدت المحافظات السنية وأكبرها نينوى والأنبار ارتفاعا في نسب تحديث البيانات في مقابل تراجع كبير لمحافظات الوسط والجنوب التي تقطنها أغلبية شيعية.

من جانب آخر، يؤكد عضو تحالف العزم عزام الحمداني، إلى أن “فكرة نقل الحكم إلى السنة تخضع للتوافقات السياسية وفقا للدستور”.

ويلفت الحمداني، خلال حديثه لـ”العالم الجديد” إلى أنه “في عام 2010 اتحدت القوى السنية بطريقة مذهلة، ولكنها لم تستطيع الحصول على منصب رئاسة الوزراء، رغم حصولها على 91 مقعداً، والمرتبة الأولى في نتائج الانتخابات”، مشيرا إلى أن “ما حصل في عام 2010 يؤكد بأن منصب رئاسة الوزراء تتحكم به عوامل أخرى داخلية وخارجية”.

وبين أن “قوى الإطار التنسيقى ترى بأن هنالك خشية من تحالفات سنية كبيرة مع قائمة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني تضمن الذهاب للفضاء الوطني، وطي صفحة التوافق التي بنيت عليها العملية السياسية، ودعم الأخير للولاية الثانية”.

أما الباحث في الشأن السياسي كاظم ياور، فيرى خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “فكرة اخذ الحكم من الشيعة وإعطاؤه للسنة هي فكرة ساذجة، ومصدرها قوى سياسية سنية وشيعية، وهدفها إثارة الطائفية فقط”.

ويوضح ياور، أن “طرح هذه الأفكار متفق عليها بين قوى سياسية، فيما يبدو، وهدفها إثارة الرأي العام، وحث المواطنين على المشاركة في الانتخابات البرلمانية، لكن من الناحية المنطقية هي صعبة جدا، وغير ممكنة، كون السياسيين السنة لا يملكون أغلبية في المحافظات، ولا يملكون ترشيحا في عدد كبير منها، وقانون الانتخابات تم ترشيحه وفقا لمقاسات معينة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *